بولندا تستعد لاحتمال تخلي أميركا عن حمايتها

الإمارات اليوم 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
بولندا تستعد لاحتمال تخلي أميركا عن حمايتها, اليوم الأربعاء 12 مارس 2025 02:23 صباحاً

تواجه أوروبا احتمالاً حقيقياً للغاية، يتمثل في تراجع الولايات المتحدة عن دورها الأمني التقليدي، وهو السيناريو الذي يزداد تعقيداً بسبب إدارة الرئيس، دونالد ترامب، التي يبدو أن سياساتها الآن تعزز أو حتى تدعم الطموحات الروسية، وبالنسبة للبولنديين فإن هذا يجعل القضية وجودية.

إن كابوس البولنديين يتمثل في إمكانية أن يُترَكوا ليقاتلوا وحدهم، فهم ليسوا بحاجة للتذكير بتاريخهم في القرنين الـ18 أو الـ20 عندما تعرضت بلادهم للتقسيم، وطال التنكيل الملايين.

وفي الوقت الحالي، تحتفظ وارسو بضمانات من حلف شمال الأطلسي (الناتو)، خصوصاً ألمانيا.

لكن المشهد الجيوسياسي تحول بشكل مثير للقلق، فأوكرانيا تحت ضغط من الولايات المتحدة لقبول اتفاق سلام وتقديم تنازلات، في حين يُطلَب من الجانب الروسي ألا يفعل شيئاً، وأمنها بات معلقاً بخيط رفيع.

وفي حين يترنح الهيكل الأمني الأوروبي بأكمله بسبب التغيير الذي تشهده الولايات المتحدة، تظل الطبقة السياسية في بولندا - اليمينية واليسارية على حد سواء - محاصرة في عقلية عفا عليها الزمن، متمسكة بافتراضات الماضي والضغائن القديمة. والواقع أن العالم يواجه أسئلة أكثر عمقاً، ويتعين على بولندا أن تتكيف.

استراتيجية متماسكة

لاتزال الأصول الاستراتيجية التي تمتلكها البلاد كبيرة، فقد شرعت في برنامج ضخم لتحديث الجيش بمليارات الدولارات، واستثمرت في الدبابات ومدافع «الهاوتزر» الكورية الجنوبية، والمقاتلات النفاثة الأميركية، وعززت قدراتها في مجال الأمن السيبراني المحلي.

من الناحية النظرية، تعمل هذه الجهود على وضع بولندا في موقع المحور الشرقي لحلف شمال الأطلسي، لكن وراء هذه المكاسب الرئيسة يكمن نقص مزمن في استراتيجية متماسكة للسياسة الخارجية. فعلى مدى عقود، كانت الأحزاب البولندية من جميع الأطياف تنظر إلى الولايات المتحدة باعتبارها شخصية بعيدة وأبوية، والضامن النهائي للاستقلال. وكانت أصداء الحرب العالمية الثانية المريرة، وفرنسا التي رفضت ذات يوم تقديم الدعم، وإنجلترا التي سمحت لروسيا بإعادة استعباد بولندا تحت حكم ستالين، كلها تركت علامات لا تمحى في الرأي العام.

هذا، إلى جانب سرديات «السلام الأميركي»، حيث خدع صُنّاع السياسات مواطنيهم بالاعتقاد الزائف بأن شراء المعدات الأميركية وإرسال القوات إلى الصراعات التي تقودها الولايات المتحدة كان كافياً لضمان السيادة الوطنية، غير أن هذا لم يكن كافياً، كما يكتشف البولنديون الآن.

تعديلات جوهرية

استمر هذا التفكير الاستراتيجي القديم حتى بعد ضم روسيا لشبه جزيرة القرم في عام 2014. وعلى الرغم من كونهم من بين القلائل الذين دقّوا ناقوس الخطر بشأن عودة النزعة الروسية إلى الهيمنة، فإن صُنّاع السياسات البولنديين لم يجروا سوى القليل من التعديلات الجوهرية على عقيدتهم، وخلال الفترتين الأولى (2005-2007) والثانية (2015-2023) من حكم حزب القانون والعدالة اليميني، كانت الفكرة السائدة بسيطة: البقاء مخلصين للولايات المتحدة، وإظهار الانضباط الثابت باعتبارهم رعاياها.

وفي السنوات اللاحقة في ظل الليبراليين، استمرت طريقة التفكير نفسها، على الرغم من أن الحكومة سعت أيضاً إلى تحسين العلاقات مع أوروبا الغربية.

لايزال الساسة البولنديون يستمتعون بالمديح من المسؤولين الأميركيين الذين يشيدون ببولندا باعتبارها نموذجاً يحتذى لحلف شمال الأطلسي، حيث تخصص بولندا ما يقرب من 5% من ثرواتها الوطنية للإنفاق الدفاعي، وهو الرقم الذي ينفق إلى حد كبير على أنظمة أميركية جاهزة.

ومع ذلك، فإن جزءاً كبيراً من ميزانية الدفاع الحالية مخصص لشراء 96 طائرة هليكوبتر مقاتلة من طراز «أباتشي»، حتى مع إلغاء اليابان، وإعادة كوريا الجنوبية النظر في طلبات مماثلة في ضوء الدروس المستفادة من أوكرانيا في ما يتصل بالحرب القائمة على الطائرات بدون طيار.

قضايا مستمرة

من نقاط الضعف الرئيسة الأخرى، القدرات المحدودة للأقمار الاصطناعية في بولندا، التي تعاني البنية التحتية الفضائية المحلية غير المتطورة، والاعتماد على الشراكات الأجنبية، ونقص قدرات التتبع والأمن السيبراني على الأرض.

وتسلط الطلبات المتراكمة والمجمع الصناعي العسكري المحلي غير الفعال الضوء على قضايا مستمرة، كالإدارة غير الفعالة، واستراتيجية المشتريات غير المتماسكة، والمحسوبية، وضعف التنسيق بين المؤسسات. وقد افتخر وزراء الدفاع المتعاقبون بعرض العقود الجديدة التي غالباً تكون معدات لم تخضع للفحص الكامل، ومن دون حزم التعويض الأساسية التي من شأنها أن تضمن الفوائد الطويلة الأجل.

ومن وراء ذلك، فإن الجيش البولندي في أزمة، فقد أدت قرارات التوظيف غير المدروسة، ونقص القادة المحترفين، وعمليات المشتريات الفوضوية، إلى إضعاف القوات المسلحة. وعانى الجيش القيادة غير الكفؤة، والترقيات غير اللائقة، في حين أدى الافتقار إلى التخطيط الاستراتيجي المتماسك إلى تآكل الفعالية العملياتية.

أعداد متناقصة

تدهورت الهياكل الحاسمة، مثل سلك ضباط الصف، ما أدى إلى نقص في الأفراد ذوي الخبرة. إن ضباط الصف ذوي الخبرة نادرون، ورغم أن وحدات مثل قوات الدفاع الإقليمية شهدت زيادات عددية، فإن الافتقار إلى الموارد والمهارات لايزال يقوض القدرة القتالية الحقيقية. وقد تم تطهير القادة العسكريين المخضرمين لأسباب سياسية في ظل حكومة حزب القانون والعدالة. وتعاني بولندا (وغيرها) من الجيوش الإقليمية ديموغرافية متناقصة، ما يجعل خطتها لرفع جيشها المهني إلى 300 ألف جندي حلماً بعيد المنال.

وعلى الرغم من هذا، أعلن رئيس الوزراء دونالد توسك في السابع من مارس الجاري، أن هذا الهدف سيرتفع الآن إلى 500 ألف، بمن في ذلك 200 ألف جندي احتياطي. كما يريد أن يخضع المتطوعون من الذكور والإناث بين السكان المدنيين للتدريب العسكري.

ويتناقض التعثر العسكري بشكل صارخ مع الاقتصاد المزدهر في بولندا، وهي الظاهرة التي تحركها أجيال من المواطنين المجتهدين الذين يعملون على بناء الثروة.

ومع ذلك، حتى مع ازدهار البلاد، فإن الطبقة الحاكمة فيها تظهر عجزاً مذهلاً. وقد اعترفت وارسو أخيراً، بأن الحكومة تفتقر إلى المواهب، عندما عيّن توسك رئيس إحدى أنجح الشركات البولندية لقيادة جهود الإصلاح.

لقد تخلت أجيال من صناع السياسات البولنديين تدريجياً عن طموح صياغة سياسة خارجية مستقلة، وبالغوا في تقدير أهمية بولندا الجغرافية كأداة للسيطرة الإقليمية. وما لم تؤكد بولندا بوضوح رؤيتها الخاصة، وتضع نفسها كعضو نشط وليس سلبياً، فإنها تخاطر بالتهميش في لعبة، حيث القدرة على التكيف والعمل الحاسم هي العوامل الوحيدة للقوة. عن «مركز تحليل السياسات الأوروبية»


تحول استراتيجي

لا تقدم الانتخابات الرئاسية البولندية المقبلة سوى القليل من الأمل في التحول الاستراتيجي، وأحد المرشحين البارزين، الذي ينتمي إلى معسكر الحكومة، غير قادر على تغيير المواقف مع تغير الرياح السياسية، في حين اشترط المرشح الآخر دعمه لأوكرانيا لحل «القضايا الحضارية» التاريخية بين البلدين، التي يعود تاريخها إلى منتصف القرن الـ20.

الواقع أن الرئيس المنتهية ولايته، أندجي دودا، على الرغم من كونه أحد الزعماء الدوليين القلائل الذين أشاد بهم الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، لم تتم دعوته قط إلى منتجع «مار إيه لاغو»، فقد سافر جواً عبر المحيط الأطلسي في 23 فبراير، لكنه لم يحصل إلا على 10 دقائق من وقت الرئيس الأميركي، وبالنسبة لبولندا فإن المخاطر هائلة، ومن المؤكد أن اتفاق السلام الذي توسطت فيه الولايات المتحدة، والذي يفرض على أوكرانيا التنازلات الإقليمية من دون ضمانات أمنية ملزمة، سيكون بمثابة كارثة استراتيجية، وسيشجع موسكو، ويزعزع استقرار أوروبا الوسطى والشرقية، ويقلب الهدف الذي طالما تمسكت به بولندا، والمتمثل في إبقاء روسيا تحت السيطرة.

. بولندا تخصص نحو 5% من ثرواتها الوطنية للإنفاق الدفاعي، وهو الرقم الذي ينفق إلى حد كبير على أنظمة أميركية جاهزة.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق