مع الشروق : صوت المصالح أعلى من صوت الحق

تورس 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
مع الشروق : صوت المصالح أعلى من صوت الحق, اليوم الأربعاء 12 مارس 2025 11:50 مساءً

مع الشروق : صوت المصالح أعلى من صوت الحق

نشر في الشروق يوم 12 - 03 - 2025

alchourouk
في خضم الأزمة السورية التي لا تزال تلقي بظلالها على المنطقة والعالم، أصدر الاتحاد الأوروبي بيانا مؤخرا يدين فيه الهجمات التي استهدفت ما اعتبرها الوحدات الأمنية الرسمية التابعة للحكومة المؤقتة في المناطق الساحلية لسوريا، واصفا إياها بأنها هجمات نفذتها عناصر موالية للنظام السابق بقيادة بشار الأسد.
ولئن كان هذا الموقف في ظاهره دعوة لاحترام القانون الدولي وحماية الاستقرار، إلا أنه يكشف عن وجه آخر يعكس النفاق الغربي وازدواجية المعايير، ففي الوقت الذي سارعت فيه الدول الأوروبية إلى إدانة هذه الهجمات تجاهلت تمامًا الفظائع المروعة التي ارتكبتها الجماعات السورية المسلحة التابعة للنظام الجديد ضد الطائفة العلوية في نفس المنطقة، في صمت مدوّ يطرح تساؤلات جوهرية حول مصداقية السياسات الخارجية الغربية، ويؤكد أن المصالح الجيوسياسية تظل المحرك الأساسي لمواقفها، حتى على حساب المبادئ الإنسانية والأخلاقية.
فالتقارير المختلفة أكدت بما لا يترك مجالا للشك أن هذه الجماعات المسلحة قد ارتكبت جرائم بشعة بحق أبناء الطائفة العلوية في الساحل السوري، بانتهاكات شملت عمليات قتل وسحل، واعتداءات طائفية تهدف إلى تغيير التركيبة الديموغرافية للمنطقة، ورغم وضوح هذه الأدلة، لم يُدن الغرب هذه الفظائع، ولم تُبدِ الدول الأوروبية أي موقف يدين هذه الأعمال.
ولا يمكن تصنيف هذا التجاهل في خانة السهو أو نقص في المعلومات، بل هو دليل صارخ على سياسة الكيل بمكيالين التي تتبناها الدول الغربية في التعامل مع الأزمة السورية، ففي حين يتم الإسراع بإدانة أعمال العنف التي تُنسب إلى قوات موالية للأسد، يتم التغاضي عن الجرائم التي ترتكبها جماعات مسلحة تتماشى مصالحها مع الأهداف الاستراتيجية للغرب.
فالمنطق السائد في عالمنا اليوم يجعل من غير المستغرب أن تكون المصالح الجيوسياسية هي القوة الدافعة وراء هذا الموقف من الدول الغربية التي تسعى منذ بداية الأزمة السورية إلى مواجهة نفوذ إيران وروسيا في المنطقة، وهي أهداف تتطلب دعما غير مباشر لبعض الجماعات المسلحة، بما يفسّر غياب إدانة انتهاكات هذه الجماعات، حتى لو كانت تلك الانتهاكات تتعارض مع القيم التي تدّعي الدفاع عنها، مثل حقوق الإنسان والعدالة بما يحوّل السياسة الغربية إلى أداة لخدمة المصالح، بدلا من أن تكون منبرا للدفاع عن المبادئ العالمية.
ولا شكّ أن هذا النهج الغربي لا يقتصر تأثيره على فقدان المصداقية فحسب، بل يمتد ليُعزز الانقسامات الطائفية ويُطيل أمد الصراع في سوريا، فالتجاهل المتعمّد لما اقترفته الجماعات المسلحة ضد العلويين يُرسل رسالة خطيرة مفادها أنه يمكنها أن تتصرف دون محاسبة طالما أنها تتماشى مع الأجندة الغربية بما يُعمق الشعور بالظلم لدى الطوائف المستهدفة، ويُعيق أي جهود مستقبلية للمصالحة أو التعايش السلمي بين مكونات الشعب السوري.
وفي سياق أوسع يُظهر هذا الموقف أن الدول الغربية لا تزال تتّبع سياسة الكيل بمكيالين في التعامل مع الصراعات الدولية، ففي الوقت الذي تُدافع فيه عن القانون الإنساني الدولي في خطاباتها تتجاهل انتهاكاته عندما ترتكبها جهات تتوافق مع مصالحها، في تناقض يُضعف مصداقية هذه الدول، ويُقلل من قدرتها على لعب دور فعال في تعزيز السلام والاستقرار على المستوى العالمي، إذ كيف يمكن لدول تدّعي الحرص على حقوق الإنسان أن تتجاهل جرائم موثقة بحق مدنيين أبرياء، فقط لأن مرتكبيها يخدمون أهدافها السياسية؟
ومن الثابت أن مثل هذه المواقف التي عبّر عنها الغرب وتجاهله الفظاعات الحاصلة في الساحل السوري لن يُعزز الاستقرار في سوريا، بل سيُطيل أمد الصراع ويُفاقم الانقسامات، إذ أن تحقيق السلام الفعلي في سوريا يتطلب نهجا متوازنا وشاملا يدين جميع أشكال العنف والانتهاكات بغض النظر عن مرتكبيها، ويضع المبادئ الإنسانية فوق المصالح الجيوسياسية، وحتى ذلك الحين، ستظل السياسات الغربية محل شك وانتقاد، وسيستمر الشعب السوري في دفع ثمن ازدواجية المعايير.
هاشم بوعزيز

.




إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق