كل حصري

حكاية شارع.. عبدالرزاق السنهوري

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
حكاية شارع.. عبدالرزاق السنهوري, اليوم الخميس 13 مارس 2025 03:31 مساءً

أُرسل في بعثة إلي فرنسا. وكتب هناك رسالتين حصل بهما علي الدكتوراة» فكانت الأولي في القانون المدني وفلسفته. وكانت مقارنة بين القانون المدني البريطاني. والشريعة الإسلامية. أما الرسالة الثانية فحصل بها علي الدكتوراة عام 1926. وكان موضوعها حول مفهوم السلطة في الخلافة الإسلامية. كما حصل علي الدبلوم العالي في معهد القانون التجاري بجامعة باريس عام 1926.

عُين السنهوري عقب تخرجه من مدرسة الحقوق وكيلًا للنائب العام في المنصورة عام 1917. شارك أثناء عمله بالنيابة العامة في ثورة 1919. فعاقبته سلطات الاحتلال الإنجليزي بالنقل إلي مدينة أسيوط أقصي جنوب مصر. ثم لم يلبث أن رُقي سنة 1920 إلي منصب وكيل النائب العام. وفي نفس العام انتقل من العمل بالنيابة إلي تدريس القانون في مدرسة القضاء الشرعي. وهي واحدة من أهم مؤسسات التعليم العالي المصري التي أسهمت في تجديد الفكر الإسلامي منذ إنشائها عام 1907. وزامل فيها كوكبة من أعلام التجديد والاجتهاد. مثل الأساتذة أحمد إبراهيم وعبد الوهاب خلاف وعبد الوهاب عزام وأحمد أمين. وتتلمذ عليه عدد من أشهر علماء مصر. وعلي رأسهم الشيخ محمد أبو زهرة.

وسافر السنهوري إلي فرنسا عام 1921 في بعثة علمية لدراسة القانون بجامعة "ليون". وهناك تبلورت عنده الفكرة الإسلامية. وبدأ يتخذ الموقف النقدي من الحضارة الغربية. فانتقد الانبهار بالغرب. وهاجم تبني "منصور فهمي" لمقولات المستشرقين. وهاجم موقف "الشيخ علي عبد الرازق" من الخلافة الإسلامية.

وفي فرنسا وضع السنهوري رسالته الإصلاحية التي عرفت بـ "مواد البرنامج" الذي يتضمن رؤيته في الإصلاح. وأنجز خلال وجوده في فرنسا رسالته للدكتوراه "القيود التعاقدية علي حرية العمل في القضاء الإنجليزي". ونال عنها جائزة أحسن رسالة دكتوراة.. وأثناء وجوده هناك ألغيت الخلافة الإسلامية. فأنجز رسالة أخري للدكتوراة عن "فقه الخلافة وتطورها لتصبح هيئة أمم شرقية" رغم عدم تكليفه بها وتحذير أساتذته من صعوبتها والمناخ الأوروبي السياسي والفكري المعادي لفكرتها.

عُين السنهوري بعد عودته من فرنسا عام 1926 مدرسًا للقانون المدني بكلية الحقوق بالجامعة المصرية "القاهرة الآن". وقد شارك السنهوري في المعارك السياسية والفكرية التي كانت تموج بها الحياة في مصر قبل ثورة يوليو 1952. وكان قريبًا من كل تيارات التغيير والإصلاح رغم عدم انضمامه لحزب أو تنظيم.

وبعد مضي مدة من قيامه بالتدريس في كلية الحقوق فصلته الحكومة سنة 1934 من الجامعة لأسباب سياسية. فقام بالسفر إلي العراق سنة 1935 بدعوة من حكومتها. فأنشأ هناك كلية للحقوق. وأصدر مجلة القضاء. ووضع مشروع القانون المدني للدولة. ووضع عددًا من المؤلفات القانونية لطلاب العراق. وفي عام 1937 عاد من العراق إلي مصر فعين عميدًا لكلية الحقوق. ثم لم يلبث نُقل من عمادة كلية الحقوق إلي وزارة الحقانية "العدل" مسئولاً عن تصفية المحاكم المختلطة عامي 1938 و1939 بناءً علي معاهدة 1936.

وقد كُلف السنهوري بعدها بتنفيذ مشروعه بوضع قانون مدني جديد شامل والذي يعد أبرز أعماله. وقد بدأ فيه بمفرده عام 1938. ووضع صياغة المحكمة التي شملت جميع قواعد تشريعات المعاملات في الفقه الإسلامي السني دون التقييد بمذهب واحد من مذاهب أهل السنة مُتبعًا في ذلك مدرسة أستاذه الشيخ محمد عبده. ومنطلقًا من خبرته الأولي عن التمسك بالقواعد والأصول واستنباط التعليقات المناسبة لكل طرف. وقد انتهي السنهوري من وضع القانون المدني في عام 1945 وطرحه للمناقشة في مجلس الدولة. وتم إقراره وصدوره عام 1948. وهذا القانون هو الذي أسس عليه السنهوري فيما بعد القوانين المدنية.

والجدير بالذكر أنه منذ إقرار هذا القانون لم يدخل عليه سوي 6 تعديلات فقط» وذلك لأنه يتميز بوضوح العبارة ولم تحكم المحكمة الدستورية. والمحكمة العليا بعدم دستورية أي نص من نصوصه. بل إن المحكمة الدستورية العليا تستعين بأفكار السنهوري القانونية منذ كان نقيبها في القانون الإداري مثلما كان فقيها في القانون المدني والخاص.

وقد عاد السنهوري للعراق سنة 1943 لاستكمال مشروع القانون المدني الجديد. ولكن بسبب ضغوط الحكومة المصرية "الوفدية" علي الحكومة العراقية اضطر للسفر إلي دمشق. وبدأ وضع مشروع القانون المدني لها. ولكن أعيد مرة أخري لمصر بسبب ضغوط حكومية. وضع أثناء وجوده في دمشق أول مخطط لإنشاء اتحاد عربي سنة 1944 قبل قيام الجامعة العربية.

تولي وزارة المعارف العمومية أربع مرات فيما بين عامي "1945- 1949"، وفي أثناءها تم تأسيس جامعة فاروق الأول "الإسكندرية الآن".

أسند إلي السنهوري رئاسة مجلس الدولة في عام 1949، وظل بالمنصب حتي عام 1954، معتبرًا نفسه الأب الروحي لمجلس الدولة فاستكمل بناؤه، وأحدث أكبر تطوير تنظيمي وإداري للمجلس في تاريخه، وأصدر أول مجلة له، وتحول المجلس في عهده للحريات واستمر فيه إلي ما بعد ثورة يوليو سنة 1952.

عند قيام ثورة 1952 أيدها وشارك في صياغة المبادئ الستة للثورة التي أعلنها مجلس قيادة الثورة، وأطلق عليها "عقد النور"، كما شارك في صياغة بيان تنازل الملك فاروق عن العرش، وفي صياغة قانون الإصلاح الزراعي.

وعندما وقعت أحداث أزمة مارس 1954 انضم السنهوري إلي المطالبين بالحكم الدستوري وحل مجلس قيادة الثورة واختيار رئيس منتخب، ولذلك عُزل من رئاسة مجلس الدولة، وحُرم من حقوقه السياسية وتفرغ للعمل العلمي.

ولا يُذكر السنهوري إلا وتذكر معه واقعة الاعتداء علي مجلس الدولة التي وقعت في 20 مارس 1954 باقتحام مجموعة من المتظاهرين لمبني مجلس الدولة والاعتداء علي السنهوري.

توفي الدكتور عبد الرازق السنهوري في 21 يوليو 1971 عن عمر يناهز 76 عاما، و كان ولا يزال علي رأس الصفوة من عباقرة القانون في القرن العشرين.

يمكنك مشاركة الخبر علي صفحات التواصل

أخبار متعلقة :