نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
إلى السيد وزير التربية الوطنية: نعم للمحاسبة ولكن, اليوم الجمعة 14 مارس 2025 08:24 مساءً
نور الدين الطويلع
السيد وزير التربية الوطنية والتعليم والأولي والرياضة، وأنتم تباشرون مساطر الإعفاء في حق ما يقارب ثلث مجموع المدراء الإقليميين، وتوزعون البطاقات الحمراء والصفراء، وتوقفون عجلة زمن التدبير المدرسي، وأنتم تفعلون كل ذلك، لا أقول لكم إن ما أقدمتم عليه زوبعة في فنجان، ففنجاننا ممتلئ عن آخره، وتحريكه بهذه الطريقة أفرغ ما بداخله، وجعله يترنح، طالبا يدا رحيمة تمسكه خشية أن يسقط ويتحول إلى شظايا، كما هو حال منظومتنا المتشظية وأفرادها الذين امتلأت حقينة خيبتهم عن الآخر.
السيد الوزير، وأنتم تقودون قطاع التربية والتكوين، تذكروا جيدا أن واقعه مختلف تماما عن القطاع الاقتصادي، وعن تدبير المقاولات والمعامل والمصانع، قد تُسَرِّحُ مسؤولا في وحدة إنتاجية، وتمر العملية في صمت، لأنه كان يجلس خلف آلة صماء، لا يعنيها في شيء أن يكون "رفيقها" أحمد أو الجيلالي أو عبد القادر، ولن يؤثر فيها استبدال فرد بفرد، فكل ما يعنيها أن تجد يدا تُشَغِّلُها، وهذا كل مرادها.
أما في قطاع التعليم فالأمر مركب، وفي غاية التعقيد، وهؤلاء الذين عزلتهم، لم يكونوا مجرد "أشجار مقطوعة"، بل كانت تربطهم علاقات وثيقة بمرؤوسيهم المقربين، وبالأطر الإدارية والتربوية، وبالشركاء من مختلف المشارب والقطاعات، وهذا "الاجتثاث" أو "الاقتلاع" لن يمر دون أن يترك أثرا سيئا في نفوس الجميع، فربما طالعتم مواقع التواصل الاجتماعي، ووصلكم بعضُ ما طفحت به من حنق وغضب، لأن فئة كبيرة من هؤلاء المستهدَفين كانت تربطهم علاقات قوية بمن ذكرنا، وبصموا طيلة توليهم مسؤولياتهم الإدارية على مسار ناجح، ظهر في نتائج البكالوريا، وفي جلب الشراكات، وفي التألق في الاستحقاقات الثقافية والتربوية والرياضية في المستوى الوطني.
السيد الوزير، اسمحوا لي أن أقول لكم إنكم مارستم القتل الرمزي في حق هذه الفئة، وأغلقتم دفتر طموحها، ووضعتم عليه أقفالا بسكاكين حادة، ستظل تنكأ جراحهم، وتصر
على فتحها وتعميقها مهما طال الزمن، ومنهم من كان يشرئب إلى مستقبل وظيفي أفضل، ويتطلع إلى مناصب مسؤولية أرقى، يرى نفسه جديرا بها، ويا ليت الحكاية توقفت هنا، فالقتل الرمزي سيكون وباء يصيب الجميع، ستموت فيمن شَهِدُوا طقس التصفية هذا إرادةُ العطاء والإبداع، وسيرى الجميع في أنفسهم مشاريع قرابين لآلهة العزل التي تتعطش لتشطيب كل أثر جميل.
السيد الوزير، إن التتبع والتقييم في حقل التربية والتكوين معقد جدا، ويحتاج إلى سنوات من التتبع والمواكبة، وكل قفز على مراحله الطويلة، أو اختزالها في إجراء مفرد لن يؤدي إلا إلى نتائج كارثية، وربما يبدو من الخطإ الجسيم قياس الشيء بما لا يقاس به، فالتعامل مع الحقل التربوي بمنطق المقاولة غيرُ مُجْدٍ على الإطلاق، لأن هذا القطاع يرتكز في جانب كبير منه على العنصر البشري، والإنسان كائن غامض، تصعب الإحاطة بكل حالاته وأحواله ... قد تحصل اليوم على نتيجة جيدة، وتتفاجأ في الغد بنتيجة معاكسة، بسبب عوامل، ترتبط بأشياء كثيرة ومؤثرات قد تكون إيجابية اليوم وسلبية غدا.
السيد الوزير، إن مدارس الريادة التي بنيتم على مؤشراتها قراراتكم الإعفائية مازالت في طور التجريب، وتحتاج إلى سنوات للتأكد من مدى فعاليتها، والخطأ في تنزيل بنودها ليس خطيئة، وإنما هو محاولة، قد تتبعها محاولات أخرى غير موفقة، قبل أن تنضج التجربة على نار هادئة، بعيدا عن الاشتعال المفرط الذي يؤدي إلى الحرق، عرق الأعصاب، وحرق الأمل، وحرق المسافات دون الوصول إلى خط النهاية السعيدة التي ننشدها جميعا.
السيد الوزير، لست في سياق إعطاء الدروس، فلستُ أهلا لذلك، ولن أكون، لكن، بوصفي أحد أبناء القطاع، وواحدا من الآلاف الذين يحملون هم الارتقاء به، ويحلمون بغد تربوي أفضل، أقول لكم إن الباب الذي فتحتم جلب معه رياحا هوجاء، أطفأت جذوة الأمل في نفوس كثير من أبناء هذا القطاع، واقتلعت زهور حلمهم، وتركت أرض طموحهم قاعا صفصفا، وفتحت المجال للتأويلات التي لن نجزم في صحتها أو كذبها، لكننا نجزم في أثرها المدمر على نفسية المشتغلين في حقل التربية والتكوين، وعلى خلق فجوة كبيرة بينهم وبين حكومتكم، وفي رسم صورة سوريالية للمشهد السياسي، وربما اطلعتم على خرجات بعض المعفيين التي كذبت بلاغكم...، والتعليقات التي صاحبت ذلك، وكل هذا كنا وكنتم وكان الوطن في غنى عنه، ربما كان الأمر يحتاج إلى جولة منكم، وإلى مجالسة المعنيين والاستماع إليهم لتكوين صورة شاملة، يعقبها توجيه، وتكوين لجان متابعة، ويمكن بعد محاولات عدة اتخاذ القرار المناسب في حق "المتعثرين" بنفس مطمئنة.
السيد الوزير، نرجو الرأفة بوطننا الحبيب، والحرص على الضن على أعدائه وأعدائنا بالهدايا المجانية، وسيكون جميلا مراجعة هذه القرارات وإرجاع الأمور إلى سكتها الطبيعية، وتذكروا أن الاستمرار في هذا المسار لن يورث إلا "النفخ في النسب" والنفاق التربوي، وسيادة "قولوا العام زين" ضدا في واقع صعب ومركب، يحتاج إلى الصراحة والمكاشفة، بعيدا عن مطرقة التخويف بالتأديب التي تجعل المستهدَف حاني الرأس شقيا كاسف البال، يقلب فصول الوجع قبل أن ينتهي إلى فصلها الأخير بالمعنون باللامبالاة.
أخبار متعلقة :