نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
صناديق التقاعد في المغرب: بين أزمة مستفحلة وضرورة الإصلاح العاجل, اليوم الجمعة 14 مارس 2025 08:24 مساءً
حميد فايو
تعد صناديق التقاعد في المغرب واحدة من أهم القضايا التي تواجهها البلاد على المستوى الاقتصادي والاجتماعي. هذه الصناديق، التي يفترض أن تكون ضمانًا لكرامة الموظفين بعد سنوات من العمل، أصبحت اليوم على شفا الانهيار بسبب تراكمات تاريخية من سوء التدبير وغياب الإرادة السياسية. ومع تزايد الضغوط المالية، أصبحت الحاجة إلى إصلاح جذري وشامل أكثر إلحاحًا لضمان استدامتها وحماية حقوق الموظفين والمتقاعدين
أزمة مستفحلة
تواجه صناديق التقاعد في المغرب أزمة مالية واجتماعية عميقة، حيث أصبحت على شفا الانهيار بسبب تراكمات تاريخية من سوء التدبير وغياب الإرادة السياسية الحقيقية لإصلاحها. هذه الصناديق، التي يُفترض أن تكون ضمانًا لكرامة الموظفين بعد سنوات من العمل، أصبحت مهددة بالإفلاس بسبب العجز المالي المتزايد وتراجع الاحتياطات. وفقًا لتقارير رسمية، بلغ العجز التقني للصندوق المغربي للتقاعد 9.8 مليار درهم في نهاية عام 2023، ومن المتوقع أن تستنفد أرصدته بالكامل بحلول عام 2028 إذا لم يتم اتخاذ إجراءات عاجلة. هذا الوضع لا يهدد فقط الاستقرار المالي للدولة، بل يخلق حالة من القلق وعدم اليقين بين الموظفين الحاليين والمتقاعدين، الذين يخشون فقدان حقوقهم المكتسبة. الأزمة ليست وليدة اليوم، بل هي نتاج عقود من الإهمال وسوء الإدارة، مما يجعلها واحدة من أكثر التحديات إلحاحًا التي تواجه المغرب على المستوى الاقتصادي والاجتماعي.
جذور الأزمة
تعود أزمة صناديق التقاعد في المغرب إلى سياسات حكومية فاشلة تراكمت على مدى عقود، حيث لم تقم الدولة بدفع مساهماتها المالية تجاه هذه الصناديق منذ تسعينيات القرن الماضي، مما أضعف قدرتها المالية وأثر على توازناتها. بالإضافة إلى ذلك، أدت سياسات الخوصصة التي تم تبنيها في تلك الفترة إلى تقليص مداخيل الصناديق، حيث تم بيع العديد من المؤسسات العمومية التي كانت تساهم بشكل كبير في تغذية هذه الصناديق. كما أن الإصلاحات التي تم اعتمادها لمعالجة الأزمة، مثل زيادة نسبة الاشتراكات ورفع سن التقاعد، كانت إصلاحات مقياسية وترقيعية لم تعالج الجذور الحقيقية للمشكلة. هذه الإصلاحات ركزت على تحميل الموظفين عبء الأزمة من خلال زيادة الاقتطاعات دون معالجة سوء التدبير المالي أو تحسين الحكامة داخل الصناديق. نتيجة لذلك، استمرت الأزمة في التفاقم، مما جعل الصناديق عاجزة عن تلبية التزاماتها تجاه المتقاعدين، وأصبحت مهددة بالإفلاس في المستقبل القريب
.. غياب الحكامة
سوء التدبير المالي وغياب الشفافية كانا من العوامل الرئيسية التي أدت إلى تفاقم أزمة صناديق التقاعد في المغرب. تعتمد هذه الصناديق على إدارة فعالة وشفافة لضمان استدامتها المالية، لكن الواقع يشير إلى عكس ذلك. تم تعيين المجالس الإدارية بدلًا من انتخابها، مما قلل من مستوى المساءلة والمحاسبة وأضعف الثقة في إدارة هذه الصناديق. هذا النهج في التعيينات، بدلًا من اعتماد الانتخابات الديمقراطية، أدى إلى انتشار الفساد وعدم الكفاءة في إدارة الأموال، حيث لم تكن هناك آليات رقابية قوية لضمان حسن التدبير. بالإضافة إلى ذلك، غياب الشفافية في اتخاذ القرارات المالية وعدم نشر التقارير الدورية المفصلة حول أوضاع الصناديق زاد من صعوبة تحديد الثغرات ومعالجتها في الوقت المناسب. هذه الممارسات أضعفت الصناديق وجعلتها غير قادرة على تحقيق التوازن المالي المطلوب، مما زاد من حدة الأزمة ووضعها على شفا الانهيار..
تداعيات خطيرة
أزمة صناديق التقاعد في المغرب تهدد بشكل مباشر حقوق الموظفين الحاليين والمتقاعدين، حيث تشير التوقعات إلى استنفاد أرصدة الصناديق بحلول عام 2028 إذا لم يتم اتخاذ إجراءات عاجلة وجذرية. هذا الوضع المالي المتردي يخلق حالة من القلق وعدم الاستقرار بين العاملين، الذين يخشون فقدان حقوقهم المكتسبة بعد سنوات طويلة من العمل والاجتهاد. المتقاعدون، الذين يعتمدون على معاشاتهم لتأمين حياتهم اليومية، أصبحوا يواجهون خطر انخفاض قيمة هذه المعاشات أو حتى توقفها، مما يهدد أمنهم المالي والمعيشي. بالإضافة إلى ذلك، فإن الموظفين الحاليين، خاصة أولئك الذين يقتربون من سن التقاعد، أصبحوا يشككون في قدرة الصناديق على الوفاء بالتزاماتها المستقبلية. هذه الحالة من عدم اليقين تؤثر سلبًا على معنويات العاملين وتزيد من الضغوط الاجتماعية، خاصة في ظل غياب حلول واضحة من قبل الحكومة لمعالجة الأزمة. الأزمة لا تقتصر فقط على الجانب المالي، بل تمتد إلى الجانب الاجتماعي، حيث تهدد بزعزعة الثقة بين المواطنين والدولة، مما يجعلها واحدة من أخطر التحديات التي تواجه المغرب في الوقت الراهن
إحصائيات مقلقة
تُظهر الأرقام الأخيرة وضعًا مقلقًا للصندوق المغربي للتقاعد، حيث بلغ عجزه التقني 9.8 مليار درهم في نهاية عام 2023، مع تراجع الأرصدة الاحتياطية إلى 65.8 مليار درهم. ومن المتوقع أن تُستنفد هذه الاحتياطيات بالكامل بحلول عام 2028 إذا لم تُتخذ إجراءات عاجلة. هذا العجز الكبير يعكس تدهورًا خطيرًا في الوضع المالي للصندوق، ناتجًا عن زيادة عدد المتقاعدين مقارنة بعدد المساهمين، وارتفاع تكاليف المعاشات، وضعف المساهمات بسبب البطالة والعمل غير الرسمي.
إضافة إلى ذلك، يُعاني النظام من مشكلة كبيرة تتمثل في وجود حوالي 7 ملايين مغربي غير مصرح بهم في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، مما يعني أنهم لا يساهمون في النظام ولا يتمتعون بحقوق التقاعد. هذه الفئة، التي تشمل العمال في القطاع غير الرسمي وذوي العقود المؤقتة، تزيد من الضغوط على الصندوق، حيث تقل الموارد المالية المتاحة بينما تزداد الحاجة إلى الدعم الاجتماعي في المستقبل.
لتفادي تفاقم الأزمة، يتطلب الأمر إصلاحات عاجلة تشمل تعميم التغطية الاجتماعية، وزيادة المساهمات، ومراجعة شروط الاستحقاق، وتحسين إدارة الصندوق. بدون تدخل سريع، قد يواجه المغرب أزمة اجتماعية واقتصادية كبيرة، بما في ذلك تفاقم الفقر وعدم المساواة، وزيادة العبء المالي على الدولة، مما يهدد استقرار النظام التقاعدي بشكل عام.
إصلاحات ضرورية:
لإنقاذ صناديق التقاعد من الانهيار، يجب اعتماد إصلاحات شاملة وعاجلة. أولاً، يتعين تعزيز الحكامة والشفافية من خلال انتخاب المجالس الإدارية بدلًا من تعيينها، وفرض رقابة صارمة على التدبير المالي. ثانيًا، يجب على الدولة الوفاء بمساهماتها المتأخرة منذ التسعينيات، والتي تعد أحد الأسباب الرئيسية للأزمة. ثالثًا، يجب توسيع قاعدة المنخرطين لتشمل العاملين في القطاع غير الرسمي والمهن الحرة، مع تقديم حوافز لتشجيع الانضمام. أخيرًا، يجب رفع الحد الأدنى للمعاشات لضمان حياة كريمة للمتقاعدين، وحماية حقوقهم المكتسبة من أي انتقاص.
تحديات مستقبلية:
غياب الإرادة السياسية والحوار الاجتماعي الفاشل يعيقان أي إصلاح حقيقي. الحكومات المتعاقبة كانت تفضل تأجيل معالجة الأزمة خوفًا من ردود الفعل الاجتماعية، مما أدى إلى تفاقم المشكلة. معالجة الأزمة تتطلب جرأة سياسية ومقاربة تشاركية تشمل جميع الأطراف المعنية، بما في ذلك النقابات وجمعيات المتقاعدين والخبراء. فقط من خلال إصلاح شامل يعيد التوازن المالي ويضمن حقوق الموظفين والمتقاعدين، يمكن تحقيق استدامة صناديق التقاعد وحماية الأجيال القادمة من تبعات هذه الأزمة المعقدة.
0 تعليق